مكانة الخيل في الإسلام

لقد عرف العرب الخيل منذ أقدم العصور، وهم يروون عن شيخ الإسلام تقي الدين السبكي أن الله سبحانه وتعالى خلق الخيل قبل آدم عليه السلام بيوم أو يومين. وأخرج الواقدي عن مسلم بن جندب، قال أول من ركب الخيل إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام؛ وإنما كانت وحشاً لا تطاق حتى سخّرت له وبذلك سميت العراب وظل ذكر الخيل مقروناً بالعرب ، فإذا ذكر العرب ذكرت الخيل وإذا ذكرت الخيل ذكر العرب، وهي عندهم رمز ترتبط به أسمى المثل العليا من كرم ومروءة وشجاعة ووفاء، وهي القوة العربية التي أرهبت الأعداء. أرهبت الفرس والروم، وعلى ظهورها فتح العرب الأمصار والبلدان ووصلوا إلى الصين شرقاً وإلى الأندلس غرباً، وهذا عقبة بن نافع الفهري القائد العربي الشجاع يخوض بفرسه المحيط؛ ويقول: "والله لو علمت أرضاً وراء هذا البحر لخضته إليها". ولا أدل على مكانتها العالية عند العربي من أن الله -سبحانه وتعالى- أقسم بها في كتابه العزيز في قوله تعالى
{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} [العاديات:1- 5]. وقد جاء ذكر الخيل في القرآن الكريم في خمس سور؛ فضلاً عن تسميته سورة باسمها وهي سورة "العاديات" وقد أقسم الله بها، وذكرها لما فيها من المنافع الكثيرة، سواء في السلم أم في الحرب، ولما فيها من جمالية، وصورة محببة إلى نفس الإنسان العربي وغير العربي، وجاء ذكرها في أحاديث كثيرة تحث على إكرامها وعدم إذلالها وإطعامها والاعتناء بتربيتها؛ لأن في نواصيها الخير، وفيها البركة، روى البخاري ومسلم عن ابن عمر وعروة بن الجعد رضي الله عنهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة". وقد أمر صلى الله عليه وسلم بالإنفاق على الخيل، روى ابن ماجة عن تميم الداري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من ارتبط فرساً في سبيل الله ثم عالج علفه فله بكل حبة حسنة". ونهى صلى الله عليه وسلم عن إذلالها: وروى أبو داوود في المراسيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقودوا الخيل بنواصيها فتذلّوها"، وقد جعل صلى الله عليه وسلم للفرس سهمين ، ولصاحبه سهماً واحداً. وما ذلك إلا تكريماً لها ولأنها تجاهد في سبيل الله مثلما يجاهد المسلمون، فتطعن وتقتل ، وتحزن وتفرح بالنصر ، وتبكي إذا قُتل فارسها، وكثيرة هي الروايات التي تحدثنا عن بكاء الخيل العربية الأصيلة على فرسانها، إذا ما سقطوا قتلى في ساحات الوغى. وهذا مالك بن الريب، حينما رثى نفسه، تذكر